نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق

مدونة مُكَافِح التَّنْصِير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نسف قصة الغرانيق

 

الحمد لله الذي اصطفى نبينا على سائر البشر ، وعصمه من الشيطان أن يوحي إليه بشرِّ ، فقال تعالى مخاطباً إبليس اللعين : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ) [الحجر : 42]، أتيرت شبهة منذ مدة حول قصة الغرانيق التي ملخصها أن الشيطان أوحى إلى النبي عليه الصلاة و السلام كلاما فقاله… و بفضل الله قد علمائنا رحمهم الله و حفظ أحيائهم على هذه الفرية مما أغنى الرد مرة أخرى، و من هؤلاء العلماء العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله و قد ألف رسالة في هذا : “نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق” ، و رد فيها ردا كافيا شافيا و رد كل طرقها التي وردت بها، و هي عبارة عن عشر طرق و كلها ضعيفة، و لعدم إطالة الموضوع سننقل هذه الطرق و حكم الإمام الألباني عليها رحمه الله، الرد على بركة الله :

أولاً كلام الإمام الألباني رحمه الله في رسالته:

1 ـ عن سعيد بن جبير
فثبت مما تقدم صواب ما كنا جزمنا به قبل الإطلاع على إسناد ابن مردويه ” أن العلة فيه فيمن دون أبي عاصم النبيل ” ، وازددنا تأكداً من أن الصواب عن عثمان بن الأسود إنما هو عن سعيد بن جبير مرسلاً كما رواه الواحدي ، خلافاً لرواية ابن مردويه عنه .
وبالجملة ، فالحديث مرسل ، ولا يصح عن سعيد بن جبير موصولاً بوجه من الوجوه .

2 ـ عن ابن شهاب
رواه ابن جرير ( 17 / 121 ) وإسناده إلى أبي بكر بن عبد الرحمن صحيح ، كما قال السيوطي تبعاً للحافظ ، لكن علته أنه مرسل [1] وعزاه السيوطي لعبد بن حميد أيضاً ، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب قال : فذكره مطولاً ، ولم يذكر في إسناده أبا بكر بن عبد الرحمن ، فهو مرسل ، بل معضل

3 ـ عن أبي العالية.
أخرجه الطبري ( 17 / 120 ) من طريقين عن داود بن أبي هند عنه ، وإسناده صحيح إلى أبي العالية ، لكن علته الإرسال ، وكذلك رواه ابن المنذر ، وابن أبي حاتم .

4 ـ عن محمد بن كعب القرظي ، ومحمد بن قيس قالا :

أخرجه ابن جرير ( 17 / 119 ) عن طريق أبي معشر عنهما ، وأبو معشر ضعيف ، كما قال الحافظ في ” التقريب ” واسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي .
ثم أخرجه ابن جرير من طريق ابن إسحاق ، عن يزيد بن زياد المدني ، عن محمد بن كعب القرظي وحده به أتمّ منه ، وفيه : ” فلما سمعت قريش ذلك فرحوا ، وسرهم وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم ، فأصاخوا له ، والمؤمنون مصدقون نبيهم فيما جاء به عن ربهم ، ولا يتهمونه على خطأ ولا وهم ولا زلل ، الحديث ” .
ويزيد هذا ثقة ، لكن الراوي عنه ابن إسحاق مدلس ، وقد عنعنه .

5 ـ عن قتادة
أخرجه ابن جرير ( 17 / 122 ) من طريقين عن معمر عنه ، وهو صحيح إلى قتادة ، ولكنه مرسل أو معضل . وقد رواه ابن أبي حاتم كما في ” الدر ” بلفظ أتم منه وهو : ” قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام ، نعس ، فألقى الشيطان على لسانة كلمة فتكلم بها ، وتعلق بها المشركون عليه ، فقال : ( أفرءئتم اللات والعزى ( 19 ) ومناة الثالثة الأخرى ( 20 ) ) ( النجم ) ، فألقى الشيطان على لسانه ولغى : ” وإن شفاعتهن لترتجى وإنها لمع الغرانيق العلى ” فحفظها المشركون ، واخبرهم الشيطان أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد قرأها ، فذلت بها ألسنتهم ، فأنزل الله : ( ومأ أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ) الآية ( الحج : 52 ) ، فدحر الله الشيطان ولقن نبيه حجته ” .

6 ـ عن عروة ـ يعني ابن الزبير ـ
رواه الطبراني هكذاً مرسلاً ، كما في ” المجمع ” ( 6 / 32 ـ 34 و 7 / 70 ـ 72 ) [10] وقال :
” وفيه ابن لهيعة ، ولا يحتمل هذا من ابن لهيعة ” .

7- عن صالح
قلت: وقد رُوي موصولاً عن ابن عباس أخرجه ابن مرديه من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس. و هذا إسناد ضعيف جداً، بل موضوع، فقد قال سفيان: ” قال لي الكلبي: كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب”، و الكلبي هذا اسمه محمد بن السائب، و قد كان مفسراً نسّابة أخبارياً. وقال ابن حبان: كان الكلبي سبائياً من أؤلئك الذين يقولون: إن علياً لم يمت و أنه راجع إلى الدنيا، و يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، و إن رأوا سحابة قالوا: أمير المؤمنين فيها”. قال: و مذهبه في الدين، و وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه، و يروي عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير، و أبو صالح لم ير ابن عباس و لا سمع الكلبي من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف، لا يحل ذكره في الكتب، فكيف الاحتجاج به؟![2]

و روي من وجوه أخرى عن ابن عباس سيأتي ذكرها، لا يصح شيء منها.

8- عن الضحاك
أخرجه ابن جرير (17/121) قال: حدثت عن الحسين يقول: سمعت معاذاً يقول: أخبرنا عبيد قال: سمعت معاذاً يقول: أخبرنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول:
قلت: و هذا إسناد ضعيف منقطع مرسل، الضحاك هذا الظاهر أنه ابن مزاحم الهلالي الخرساني، هو كثير الإرسال، كما قال الحافظ، حتى قيل: إنه لم يثبت له سماع من أحد من الصحابه، و الراوي عنه عبيد لم أعرفه [3]، و ابو معاذ الظاهر أنه سليمان بن أرقم البصري، و هو ضعيف، كما في “التقريب”، و الراوي عنه الحسين هو ابن الفرج أبو علي و قيل: أبو صالح، و يعرف بابن الخياط و البغدادي، و هو ضعيف متروك، و له ترجمه في “تاريخ بغداد” و “الميزان” و “اللسان” ثم شيخ ابن جرير فيه مجهول لم يُسَمَّ.

9- عن محمد بن فضالة الظفري، و المطلب بن عبدالله بن حنطب
قلت: و هذا إسناد ضعيف جداً، لأن محمد بن عمر، هو الواقدي، قال الحافظ في “التقريب”: “متروك مع سعة علمه”. و شيخه في الإسناد الأول يونس بن محمد، و والده محمد بن فضالة، لم أجد لهما ترجمة، ثم رأيت ابن أبي حاتم أوردهما (4/1/55 و 4/2/246) و لم يذكر فيهما جرحاً و لا تعديلاً. و في إسناده الثاني كثير بن زيد وهو الأسلمي المدني مُختَلف فيه، قال الحافظ: “صدوق يخطيء”.
ثم هو مرسل فإن المطلب بن عبدالله بن حنطب كثير التدليس و الإرسال، كما في “التقريب”. و لذلك قال القرطبي بعد أن ساق الرواية الثانية، و حُكي عن النحاس تضعيفها كما سبق نقله عنه هناك قال: قلت: فذكره مختصراً ثم قال:
“قال النحّاس: هذا حديث مُنكَر منقطع، و لا سيما من حديث الواقدي”.

10- عن ابن عباس
قلت: فهذه طرق ثلاث عن ابن عباس و كلها ضعيفه.
أما الطريق الأولى: ففيها الكلبي و هو كذّاب كما تقدم بيانه قريباً.
و أما الطريق الثانية: ففيها من لم يسمّ.

و أما الطريق الثالثة: ففيها أبو بكر الهذلي. قال الحافظ في “التقريب”: “أخباري متروك الحديث” لكن قد قرن فيها أيوب، و الظاهر أنه السختياني، فلا بد أن يكون في الطريق إليه من لا يُحتَج به لأن الحافظ قال في “الفتح” (8/355) بعد أن ساقه من الطرق الثلاث:
“و كلها ضعيف أو منقطع”.

و قد ذكر ما يفيد أن ابن مردويه أخرجها من طريق عباد بن صهيب، و هو أحد المتروكين، كما قال الحافظ الذهبي في ترجمته من “الميزان”.
و له طريق رابع، أخرجه ابن جرير (17/120)، حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي. ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس، “أن نبي الله صلى الله عليه و سلم بينما هو يُصلّي إذ نزلت عليه قصة آلهة العرب، فجعل يتلوها، فسمعه المشركون، فقالوا: إنا نسمعه يذكر آلهتنا بخير، فدنوا منه، فبينما هو يقول: (أفرأيتم اللات و العزى (19) و مناة الثالثة الأخرى (20)) [النجم]، ألقى الشيطان: “إن تلك الغرانيق العلى، منها الشفاعة ترتجى”، فجعل يتلوها، فنزل جبريل صلى الله عليه و سلم فنسخها، ثم قال له: (و ما أرسلنا من قبلك …) الآية [الحج: 52].
رواه ابن مردويه أيضاً كما في “الدرر” (4/366).
قلت: و هذا إسناد ضعيف جداً، مُسَلسَل بالضعفاء: محمد ابن سعد، هو ابن محمد بن الحسن بن عطية بن جُنادة أبو جعفر العوفي ترجمه الخطيب في “تاريخ بغداد” (5/322-323) و قال: “كان ليّناً في الحديث”.
و والده سعد بن محمد ترجمه الخطيب أيضاً (9/126- 127) و روى عن أحمد أنه قال فيه: “لم يكن ممن يستأهل أن يكتب عنه، و لا كان موضعاً لذلك”.
و عمه هو الحسين بن الحسن بن عطية بن سعد، و هو متفق على ضَعفه ترجمه الخطيب (8/29- 32)و غيره.
و أبوه الحسن بن عطية ضعيف أيضاً اتفاقاً، و قد أورده ابن حبان في “الضعفاء” و قال: “مُنكَر الحديث، فلا أدري البَلِيّة منه أو من ابنه، أو منها معاً؟” ترجمته في “تهذيب التهذيب”.
و كذا والده عطية، و هو مشهور بالضَّعف [4]
(انتهى من “
نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق” بتصرف)

 

ثانياً : أقوال أهل العلم في الرواية
قال ابن كثير رحمه الله : ” قد ذكر كثير من المفسرين قصة الغَرَانيق ، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ، ظَنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا ، ولكنها من طرق كلها مرسلة ، ولم أرها مسندة من وجه صحيح ، والله أعلم ” (5)
و قال أيضا رحمه الله :
{وقد ذكرها محمد بن إسحاق في السيرة بنحو من هذا، وكلها مرسلات ومنقطعات} (6)
سئل عنها الإمام بن خزيمة رحمه الله فقال : ” هذه القصة من وضع الزنادقة ” (7)
الإمام البيهقي رحمه الله قوله : ” هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ” (8)
وقال ابن حزم رحمه الله : ” (9)
وقال القاضي عياض رحمه الله : ” هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل….، ومن حُكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم ، ولا رفعها إلى صاحب ، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية ، والمرفوع فيه حديث شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال فيما أحسب ء الشك في الحديث – أن النبي ء صلى الله عليه وسلم- كان بمكة ….، وذكر القصة ” ، ثم نقل كلام البزار وقال : ” فقد بين لك أبو بكر رحمه الله أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره سوى هذا ، وفيه من الضعف ما نبه عليه ، مع وقوع الشك فيه ، كما ذكرناه ، الذي لا يوثق به ، ولا حقيقة معه .
قال : وأما حديث الكلبي فمما لا تجوز الراوية عنه ولا ذكره لقوة ضعفه وكذبه كما أشار إليه البراز رحمه الله ، والذي منه في الصحيح أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قرأ : (والنجم ) وهو بمكة فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس” (10)
قال أبو حيان الأندلسي رحمه الله : “قال البيهقي: هي غير ثابتة من جهة النقل، وقال ما معناه : إن رواتها مطعون عليهم وليس في الصحاح ولا في التصانيف الحديثة شيء مما ذكروه فوجب اطّراحه. ولذلك نزهت كتابي عن ذكره فيه” (11)
قال الإمام القرطبي رحمه الله : “وضعف الحديث مغن عن كل تأويل، والحمد لله.” (12)
قال الرازي رحمه الله : “وأما أهل التحقيق فقد قالوا : هذه الرواية باطلة وموضوعة، واحتجوا عليه بالقرآن والسنة والمعقول” (13)
و قال القاضي عياض : “لقد بُلي الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير، وتعلق بذلك الملحدون مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده واختلاف كلماته، فقائل يقول: إنه في الصلاة، وآخر يقول: قالها في نادي قومه حين أنزلت عليه السورة، وآخر يقول قالها وقد أصابته سِنة، وآخر يقول: بل حدث نفسه فيها، وآخر يقول: إن الشيطان قالها على لسانه، وأن النبي ر لما عرضها على جبريل قال: ما هكذا أقرأتك، وآخر يقول: بل أعلمهم الشيطان أن النبي ؟ قرأها، فلما بلغ النبي ؟ ذلك قال: والله ما هكذا نزلت، إلى غير ذلك من اختلاف الرواة” (14)

كتبه أَبُو إِسْلاَم الْمَغْرِبِي

___________________________________________________________________________________________

هوامش :
(1) وقال النحاس : ” هذا حديث منقطع وفيه هذا الأمر العظيم ” ذكره القرطبي ( 12 / 81 )
(2) نقلته من ” ميزان الإعتدال في نقد الرجال ” للإمام الذهبي
(3) ثم تبين لي أنه ابن سليمان الباهلي وروى عن الضحاك بن مزاحم وعنه جمع منهم أبومعاذ الفضل بن خالد النحوي . قال في ” التقريب ” : لا بأس به . ومما ذكرنا نتبين أيضا أن أبا معاذ الراوي عن عبيد ليس هوسليمان بن أرقم وإنما هوالفضل بن خالد النحوي أورده ابن أبي حاتم في ” الجرح والتعديل ” ( 3 / 2 / 61 ) ولم يذكر فيه جرحا أوتعديلا
(4) قلت : ومما يدل على بطلان نسبة هذه القصة إلى ابن عباس لا سيما من رواية أيوب عن عكرمة عنه أن الطبراني أخرجها مختصرا في ” المعجم الكبير ” ( ورقة 138 وجه 1 ) [ المطبوعة 11 / 11866 ] من طريقين عن عبد الوارث : ثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد وهو بمكة ب ( النجم ) وسجد معه المسلمون والمشركون وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري فهذا القدر من القصة هوالصحيح عن ابن عباس وغيره من الصحابة مما سيأتي ذكره
(5) “تفسير ابن كثير” (5 /441)
(6) “تفسير ابن كثير رحمه الله لسورة الحج الآية 53″
(7) نقل ذلك الفخر الرازي في تفسيره (23/44)
(8) نفس المصدر السابق
(9) الفصل في الأهواء والنحل ” (2/311)
(10) الشفا بتعريف حقوق المصطفى، (2/79)
(11) تفسير البحر المحيط – أبي حيان الأندلسي – ج 6 – الصفحة 352
(12) تفسير القرطبي – القرطبي – ج 12 – الصفحة 84
(13) لتفسير الكبير، الرازي (23/50).
(14) الشفا بتعريف حقوق المصطفى، (2/125).

About أبو إسلام المغربي

مُسلم سُني على منهج السلف الصالح، يرجو تمام النِّعمة من الله عليه و على والديه في الدنيا والآخرة، وتمام عفوه و رِضاه عنه و عن والديه

Posted on 06/08/2013, in كشف الشبهات. Bookmark the permalink. أضف تعليق.

أضف تعليقا على هذا الموضوع